عنوان البحث
التوافق والتحديات: استكشاف الأرضية القانونية في الثورة الصناعية الرابعة
مقدمة البحث
وجب التطرق بداية إلى سرد نبذة مختصرة في تلخيص غير مخل عن الثورة الصناعية الرابعة بشكل عام وعلاقاتها بالقانون بشكل خاص وفي مستهل الحديث وجب التنويه بأن الثورة الصناعية هي كلمة تم إطلاقها للمرة الأولى في رسالة كتبها المبعوث الفرنسي لويس غيوم أوتو بتاريخ السادس من يوليو للعام 1799، معلنا بذلك أن الدولة الفرنسية قد دخلت سباق التصنيع عالمياً.
تمر السنوات والثورات الصناعية تباعاً إلى أن وصل الأمر إلى العام 2016 وتحديداً في ديسمبر والتي تم إطلاق مسمى الثورة الصناعية الرابعة في المنتدى الاقتصادي العالمي في بلدة دافوس بمنطقة غروباندن شرق دولة سويسرا، والتي أكد من خلالها المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي رجل الأعمال الألماني / كلاوس شواب أن حجم التحول ونطاقه وتعقيداته في هذه الثورة الصناعية سيكون مختلفاً تماما عما شهدته البشرية من قبل.
فتعتبر الثورة الصناعية الرابعة امتداداً للثورة الصناعية الثالثة والتي سميت بالثورة الرقمية حيث قادها عدد من المحركات الرئيسية والتي منها على سبيل المثال: الروبوتات، المركبات ذاتية القيادة، الهندسة الوراثية، الطباعة ثلاثية الأبعاد، الذكاء الاصطناعي، وسلسلة الكتل (البلوكتشين)، انترنت الأشياء، البيانات الضخمة وغيرهم.
وتعتمد الثورة الصناعية الرابعة بشكل عام على طمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية، حيث صارت تلك التقنيات التكنلوجية الناشئة مندمجة بالفعل في العديد من المجالات الحياتية، والتي تؤثر بشكل مباشر في حياتنا اليومية.
مشكلة البحث
ترتبط الثورة الصناعية الرابعة بالقانون ارتباطاً وثيقاً، كونهما ذاتا طابع متسق، الأمر الذي يحدو بنا إلى مناقشة محوران أساسيان، ألا وهما الأطر القانونية بشقيها التنظيمية والتنفيذية للتكنولوجيا الناشئة، والتحول الرقمي والتكنولوجيا القانونية.
أهمية وأهداف البحث
يهدف الباحث في هذه الأطروحة أن يقوم بتحليل بعض المشاكل التي بدأت في الطفو على السطح بعد انتشار الذكاء الاصطناعي في مجالات شتى، على سبيل المثال وليس الحصر، انتهاك السرية وحماية البيانات، انتهاك حقوق الملكية الفكرية، الأمن السيبراني، التحكم و المسئولية، التحديات القانونية في الجرائم العابرة للحدود، الاختصاص القضائي، قانون العمل و التوظيف في عصر الأتمتة.
وكذلك يهدف الباحث إلى طرح أهمية التحول الرقمي و التكنولوجيا القانونية في المجال القانوني، على سبيل المثال و ليس الحصر، البحث القانوني، أتمتة تسجيل الساعات المدفوعة و أتمتة إصدار الفواتير، العقود الذكية، أتمتة العقود و المستندات، روبوتات الدردشة القانونية، إدارة القضايا و تتبعها، كذلك استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في العديد من المجالات القانونية.
فرضيات البحث
بعض الأمثلة على العراقيل التي نصطدم بها حاليا نتيجة التقدم التكنولوجي كمشكلات حقوق الملكية الفكرية ومشاكل الهجوم السيبراني
“كل شيء في الحياة هو سلاح ذو حدين، يتوقف الأمر على كيفية استخدامه”
التكنولوجيا هي أكبر مثال على ذلك، بداية باختراع الإنترنت وصولاً لآخر تقنية سيتم اختراعها، وحيث أن دور القانون هو تحقيق العدل والعدالة، فوجب على المشرعين في مختلف الأنظمة القضائية استحداث تشريعات وقوانين وأطر تنظيمية لفروع التكنولوجيا الناشئة، حيث تطرح تلك التكنولوجيا العديد من التحديات القانونية التي يجب التعامل معها بشكل سريع وفعال، حيث يشهد العالم تطوراً سريعاً ومضطرداً في كافة أوجه حياتنا اليومية، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر:
:التحكم والمسئولية
مع بداية انتاج السيارات ذاتية القيادة، تطرح التكنولوجيا الحديثة تحديات قانونية معضلة فيما يتعلق بالتحكم والمسئولية، ففي حالة حوادث السيارات، من سيكون المسؤول عن الحوادث؟ هل تقع المسئولية على مالك السيارة، أم الشركة المصنعة للمركبة، أم الشركة التي قامت ببرمجة نظام القيادة الذاتي؟ وقد تصدت دول عدة كسنغافورة والصين والمملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الامريكية وبعض من دول الخليج كدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر والأمر يزداد يوماً بعد يوم فتتسابق الدول على التغول في مسيرة التطور دون توقف فمن لا يتقدم سيتقادم.
فتتبارى الدول الآن على إصدار تشريعات وقوانين لتحديد المسئولية وبالتالي العقوبات بشكل مناسب مع حجم الضرر.
وقد جاءت إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة كما أشرنا سلفاً كأول ممثلي الدول العربية في سرب الدول التي أصدرت تشريعات تتعلق بكيفية تنظيم تشغيل المركبات ذاتية القيادة فالحكومة الرشيدة داخل الإمارة أصدرت القانون رقم 9 لسنة 2023 والخاص بتنظيم تشغيل المركبات ذاتية القيادة في إمارة دبي والذي دخل حيز النفاذ في العام المنصرم ، فقد نجح هذا القانون عبر 27 مادة في تنظيم العديد من الأمور تجعله نبراساً لإنارة الدرب في مستقبل هذا المجال كونه قد أوضح بشكل جلي من خلال تعريفاته ونطاق التطبيق وأهدافه ومن يتولى إدارة ملفات التسجيل لهذا النوع من المركبات ومن المسؤول عن تحديد تلك المسؤوليات مروراً بكيفية استعمال المركبة ذاتية القيادة ومزاولة النشاط والفحص الفني وشروط الترخيص وإجراءاته وصيانة وإصلاح وتعديل تلك المركبات ، كذلك نظم التزامات المشغل والوكيل والراكب كما أوضح المسئولية المدنية والجزائية ، وتنظيم بيع المركبات ونقل ملكيتها والرسوم اللازمة لذلك والمخالفات والغرامات الإدارية والضبطية القضائية والتظلم على القرارات الصادرة من تلك الجهات بالتناغم والاتساق مع قانون السير والمرور الاتحادي والقرارات الوزارية المتعلقة بهذا الشأن، مما يكون هذا القانون ركيزة أساسية تستطع من خلالها الدول الناشئة في هذا السوق الإرتكان إليه والاقتباس منه في عديد المفاهيم والمواد القانونية.
كذلك الحال في منظومة دافنشي الجراحية (نظام دافنشي الجراحي أو روبوت دافنشي) والتي هي منظومة جراحية روبوتية تصنعها شركة (أنتيوتف سرجكال) المتخصصة في انتاج المعدات الطبية والجراحية، والذي تمت المصادقة عليه من قبل منظمة الدواء والغذاء الأمريكية، والذي طور فكرة الجراحة عن بعد، حيث يتحكم به الجراح عن بعد، حتى لو كان في بلد بعيد عن مكان المريض والذي يمكنه من القيام بعمليات جراحية عن بعد، في هذه الحالة، وفي حال حدوث خطأ طبي، على من تقع المسئولية؟ هل على الطبيب بشكل كامل؟ أم على الشركة المصنعة للروبوت؟ في حال حدوث أي مشكلة في برمجته أدت إلى عدم تحكم الجراح فيه بشكل كامل، هل تقع المسئولية على الشركة المصنعة للروبوت أم على الشركة التي قامت ببرمجته؟
الأصول الافتراضية بصفتها أحد الصور المبسطة لسلاسل الكتل (البلوكتشين) (ويجب الإشارة إلى أن إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ودورها الرائد كأول تشريع عربي في هذا السياق والذي أعقبه قرار مجلس الوزراء رقم (111) لسنة 2022 بشأن تنظيم الأصول الافتراضية ومزودي خدماتها)
منذ سنوات عدة بدأ التطور التصاعدي للتكنولوجيا بارتباطه بشكل قوي بالتمثيل الرقمي للقيمة التي يمكن تداولها أو تحويلها رقميًّا، ويمكن استخدامها لأغراض الاستثمار، ولا تتضمن عمليات التمثيل الرقمي للعملات الورقية أو الأوراق المالية أو غيرها من الأموال. فكان حري مع ظهور السلع والعملات الرقمية بإنشاء نظام تشريعي يحكم تلك العلاقة عالمياً، والدول أيضاً أضحت أمام واقع نعيشه ليس مجرد حلم يرادوه البعض أو ضرب من ضروب الخيال العلمي ومن ثم صدر القانون رقم 4 لسنة 2022 بشأن تنظيم الأصول الافتراضية في إمارة دبي وأعقبه قرار مجلس الوزراء رقم (111) لسنة 2022 بشأن تنظيم الأصول الافتراضية ومزودي خدماتها) وهذان التنظيمان كانوا اللبنة الأولى عربياً لإدارة الأصول الافتراضية عبر المنطقة العربية فقد قننوا العديد والعديد من النقاط الهامة التي كان لا محل لها من الأعراب قبل إصدار تلك التشريعات فكلاهما وضعا سلطة محددة لمباشرة وتنظيم وإدارة الأصول الافتراضية يطلق عليها سلطة تنظيم الأصول الافتراضية ولا يعتد بأي شخصية طبيعية أو اعتبارية سواها أو من يمثلها فقط الأمر الذي قنن صورتها بشكل لا مراء فيه.
هذا كان فيما يتعلق بمميزات التطور داخل الثورة الصناعية الرابعة في بعض من فروعها فقط الأمر الذي نستطع معه القول بإنه كان سرداً مبسطاً إلى الجانب المضيء ، بينما هناك جانب خفي مظلم لا يحمد عقباه إذا امتدت أذرعه تجاه العنصر البشري فالتطور قد يسبق الأنسان بشكل مباشر في عدة مناحي كذلك وبالمقابل تطرح التكنولوجيا العديد من التحديات القانونية والمخاطر التي يجب التعامل معها بشكل جدي وسريع وفعال، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر:
:انتهاك السرية وحماية البيانات
مع التزايد السريع والمستمر في حجم ونطاقات جمع البيانات الشخصية عبر مواقع الانترنت وتطبيقات الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، يرى الباحث أنه يتعين على المشرعين اصدار قوانين تحقق التوازن بين الاستخدام العادل للتكنولوجيا وحماية خصوصية الأفراد من خلال حماية بياناتهم الشخصية، من خلال وضع آليات للحفاظ على سرية تلك البيانات الشخصية وتنظيم طرق جمعها واستخدامها ومشاركتها بطرق قانونية ومشروعة.
:انتهاك الملكية الفكرية
تعد حماية الملكية الفكرية من أصعب التحديات في عصر التكنولوجيا الحديثة، وتحديداً بعد انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد أصبحت مواقع وتطبيقات الذكاء الاصطناعي متاحة للجميع مجاناً أو بأسعار زهيدة، مقابل اتفاق غير معلن للعامة باستخدام المدخلات في تدريب نماذج اللغة وبرامج الذكاء الاصطناعي بمختلف أنواعها، حيث تقوم تلك البرامج بإنشاء مخرجات سواء نصية أو مرئية باستخدام المدخلات التي يقوم المستخدم بإدراجها بالنظام و التي هي نصوص و صور من الممكن أن تكون خاضعة لحقوق الملكية الفكرية، وعليه كان جدير بالذكر من جانب الباحث في هذا السياق الإشارة إلى القضية الجارية الآن و التي هي حديث العالم ويتم نظرها مؤخرا أمام المحاكم الأمريكية والمقامة من قبل صحيفة نيويورك تايمز ضد كل من شركة OpenAI المالكة لبرنامج ChatGPT الشهير و شركة Microsoft للبرمجيات بشأن انتهاك حقوق الطبع والنشر وحماية البيانات الأمر الذي حدا بالصحيفة الشهيرة إلى مطالبة كلا المدعى عليهما إلى تدمير نماذج برامج الدردشة ومجموعات التدريب التي تتضمن موادها ، ومن ثم يرى الباحث أنه من الضروري أن يتناول المشرعون هذا الأمر بصياغة قوانين تضمن حقوق الملكية الفكرية و في ذات التوقيت دون تقييد حرية الإبداع أو استخدام التكنولوجيا لحفظ حقوق كافة الأطراف.
:الأمن السيبراني
كما أشرنا بأن حماية الملكية الفكرية من أصعب التحديات في عصر التكنولوجيا الحديثة، كذلك الحال مع الأمن السيبراني، حيث تتزايد عدد الهجمات الإلكترونية والاختراقات السيبرانية، فيرى الباحث أنه من الضروري أن توفر الدول من خلال تشريعاتها القانونية الأمان للأنظمة والبنية التحتية التكنولوجية، كذلك يجب تحديد المسئولية والتبعية والإجراءات القانونية المتعلقة بالأمن السيبراني و كذلك حماية البيانات الحساسة، و ضرورة وضع عقوبات رادعة للجرائم السيبرانية.
و مع تزايد استخدام التكنولوجيا المستخدمة حصرياً لأغراض الأمن القومي و الدفاع، تفاخرت شركة NSO Group المالكة لبرنامج بيغاسوس الشهير للتجسس، بأنها شاركت السلطات في اكتشاف عصابات لتجارة المخدرات و العديد من الأنشطة الإجرامية الأخرى، و برغم الهدف النبيل من استخدام البرامج إلى أنه يتم أحيانا إساءة استخدامها حتى في تلك الظروف، ما أدى لانتهاكات حقوق الإنسان على سبيل المثال المراقبة الجماعية العشوائية للمعارضين السياسيين و المحامين و المدافعين عن حقوق الإنسان و ما إلى ذلك، الذين تم اختراق هواتفهم المحمولة و تسريب بياناتهم الشخصية و محادثاتهم من قبل حكوماتهم الذين قاموا بشراء هذه التكنولوجيا الخطيرة و إعادة تخصيصها لتخدم أنشطة التجسس المرغوبة من قبلهم.
:الاختصاص القضائي
تزايد و تفرع تعقيدات التكنولوجيا الحديثة، يصعب على القوانين و النظم القانونية و القضائية مواكبة تطوراتها السريعة، فيرى الباحث أن هذا قد يستدعي ذلك إنشاء محاكم أو لجان خاصة بالقضايا التكنولوجية المعقدة و التي قد تستدعي استحداث شروط خاصة للقضاة و المحامين و المستشارين القانونيين الذين يعملون بها حيث يجب عليهم الإلمام بالتكنولوجيا كإلمامهم بالقانون حيث يحتاج الأمر للفصل في أمور تقنية غاية في التعقيد، و من ثم يمكن أن تكون الأفضلية للمحامين الحاصلين على درجة علمية مشتركة (علوم حاسوب و قانون) في الحصول على مناصب القضاء و أن يكون لهم الأفضلية في الترافع أمام تلك المحاكم و اللجان في هذا النوع من القضايا.
:قانون العمل والتوظيف في عصر الأتمتة
حيث من المتوقع أن يتم أتمتة وظائف كاملة بالذكاء الاصطناعي و التكنولوجيا، كما هو الحال مع أي ثورة صناعية، مثلما تم استبدال الأحصنة و العربات التي تجرها الدواب بالسيارات و المركبات، فمن المتوقع أن يتم استبدال بعض الوظائف بالتكنولوجيا منها على سبيل المثال وكالات التوظيف، و فعلياً قامت شركة أمازون باستخدام الذكاء الاصطناعي في التوظيف، و قد اضطرت لإلغاء تلك التجربة بعد ما أظهر نظام الذكاء الاصطناعي تحيزاً ضد النساء، فيعد ذلك من التحديات التي تواجه أتمتة عمليات التوظيف، فيرى الباحث أنه كما يجب على المطورين و المبرمجين التأكد من أن برامج الذكاء الاصطناعي لا و لن تظهر أي تحيز جنسي أو عرقي، كذلك يجب وضع قوانين و تشريعات لتنظيم عمليات التوظيف و حماية الحقوق و المساواة.
كان هذا فيما يخص الأطر التنظيمية و التشريعية للتكنولوجيا الناشئة، أما فيما يخص استخدام التكنولوجيا في المجال القانوني، يستقطب التحول الرقمي والتكنولوجيا القانونية اهتمام العديد من العاملين بالمجال القانوني وحتى المهتمين به، حيث يفتح الباب للعديد من المستثمرين للاستثمار في حلول التكنولوجيا القانونية الموجهة خصيصاً للقانونيين ومكاتب المحاماة والاستشارات القانونية، بل و الأنظمة القضائية و الحكومات كذلك.
يتم تعريف التكنولوجيا القانونية وفقا لجوليان ويب بأنها ” استخدام المعلومات الرقمية وتقنيات الاتصال لأتمتة العمل القانوني بالكامل أو جزئيًا، ولتقديم دعم اتخاذ القرارات لمنتجي الخدمات القانونية، ولتوفير المعلومات والمشورة القانونية مباشرةً للعملاء أو المستخدمين النهائيين” ويعد التفسير الأقرب للواقع هو تفسير هوفمان ريم والذي عرف التكنولوجيا القانونية بأنها ” تطبيق التقنيات الجديدة في عالم القانون لتنفيذ المهام التي كان يؤديها -حتى وقتٍ قريب- المحامون وغيرهم من الموظفين العاملين في شركات المحاماة”
تعتمد التكنولوجيا القانونية بشكلها الحديث على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني لتحسين كفاءة العملية القانونية وتوفير الوقت والجهد والمال، كأتمتة المهام المتكررة، والتقليل من الأعمال الورقية، وإفساح المجال وتوفير الوقت أمام القانونيين والمحامين على التركيز على الأمور القانونية الأكثر تعقيداً.
كذلك باستخدام التكنولوجيا القانونية أصبح الوصول إلى العدالة أسهل وأسرع، من خلال جعل الخدمات القانونية معقولة التكلفة وسهل الوصول اليها، حيث قامت بعض الحكومات كحكومة الإمارات العربية المتحدة بإتاحة الفرصة للأفراد بتسجيل قضاياهم على منصة المحكمة، وفتح ملفات التنفيذ وغيره من الخدمات التي توفر الوقت والجهد والمال ويمكن للفرد القيام بها بدون اللجوء لمحامي.
كذلك يتم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في شركات المحاماة وكذلك في الإدارات القانونية في الشركات في العديد من المجالات والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر:
:البحث القانوني
تستخدم أدوات البحث القانوني تقنية التصنيف لاستخراج البيانات المتعلقة بالطلبات والشكاوى والقرارات والأوامر التي يتم الإبلاغ عنها في الآلاف من ملخصات القضايا، وباستخراج تلك البيانات يتم انتاج مقاييس تساعد المحامي أو الباحث القانوني في فهم احتمالية تحقيق نتائج معينة في قضاياهم، ومن المتوقع أن تتطور أدوات البحث القانوني للدرجة التي تمكنها من كتابة حجج قانونية ترجح الفوز بالقضية إحصائياً، بعد تحليل ظروف وملابسات القضية.
:أتمتة تسجيل الساعات المدفوعة واصدار الفواتير
باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، يتم تسجيل الساعات التي يقوم القانونيين بالعمل فيها على قضاياهم على برامج خاصه بالحسابات، التي يتم تغذيتها مسبقا بسعر الساعة وبيانات الموكل والقضية، وكذلك يسمح للمساعدين القانونيين بإدخال المصاريف ومن ثم يقوم البرنامج بإصدار الفواتير كاملة بتدخل بشري يكاد يكون معدوم.
:العقود الذكية
تعتمد العقود الذكية بشكل عام على تقنية البلوكتشين، فالعقد الذكي هو عقد ذاتي التنفيذ، وتسمح العقود الذاتية بتنفيذ المعاملات والاتفاقيات الموثقة بين أطراف متباينة ومجهولة دون الحاجة إلى سلطة مركزية أو نظام الكتروني أو آلية مراقبة للتنفيذ.
يمكن استخدام العقود الذكية في العديد من المجالات على سبيل المثال وليس الحصر، مجالات الرعاية الصحية، شركات التأمين، سلاسل التوريد، الخدمات المالية، نظام التصويت الحكومي.
للعقود الذكية أفضلية على العقود العادية، حيث أنها لا تحتاج إلى وسطاء لتأكيد الاتفاقية، وكذلك تقضي على مخاطر التلاعب من قبل أطراف ثالثة، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف، كذلك سهولة اصدار نسخ إضافية في أي وقت، كذلك تقليل نسبة الخطأ البشري بسبب كتابه العقود يدويا، كذلك الحفاظ على البيئة وتوفير الكثير من الأوراق والحبر.
تستخدم الإمارات العربية المتحدة تقنية العقود الذكية في العديد من المجالات، على سبيل المثال وليس الحصر استخراج الوكالات القانونية، ونقل ملكية السيارات والعقارات.
:أتمتة المستندات
باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أتمتة المستندات من خلال منصات وبرامج مدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي يتم تغذيتها بقوالب جاهزة للعقود والاتفاقيات، ولها واجهة مستخدم تتيح للمستخدم أن يدخل البيانات المطلوبة ومن ثم إنشاء المستند في وقت أقل وبكفاءة أعلى.
:روبوتات الدردشة القانونية
باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكن إنشاء روبوتات دردشة تعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي، ويتم تدريبها وتعليمها وتغذيتها بالمعلومات القانونية اللازمة للرد على الاستفسارات البسيطة والمباشرة، وفي حالة أن كانت الأسئلة معقدة يتم تحويلها للمحامي المختص، الأمر الذي يوفر الوقت والجهد والمال أيضا، ويتيح للمحامين والقانونيين توفير وقتهم للأمور القانونية الصعبة والمعقدة.
لتلك الأدوات والبرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي الكثير والكثير من الفوائد للمحامين والإدارات القانونية، على سبيل المثال وليس الحصر:
توفير الوقت والجهد، من خلال أتمتة العديد من المهام.
تحليل البيانات، حيث تستطيع برامج الذكاء الاصطناعي تحليل كمية كبيرة من البيانات بسرعة وكفاءة.
تلخيص المستندات، فباستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تقوم بتلخيص المستندات القانونية كبيرة الحجم.
الكتابة والبحث القانوني، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي إنشاء مسودات قانونية والتحقق من القواعد النحوية واللغوية، كذلك يمكن أن تقترح الأمور القانونية ذات الصلة واقتراح المصادر.
إدارة القضايا وتتبعها، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أتمتة إدارة القضايا من خلال تتبع المواعيد النهائية وإرسال تنبيهات بالمواعيد النهاية.
تعزيز التواصل مع العملاء، حيث يمكن لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي الرد بشكل قانوني على أسئلة العملاء وتقديم الدعم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتوجيه الاستفسارات المعقدة إلى الشخص المناسب.
تخصيص المحتوى، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تخصيص المحتوى القانوني بناء على احتياجات العملاء الفردية وتفضيلاتهم.
التسويق الإلكتروني، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات علوم البيانات أن تساعد في تحديد العملاء المحتملين وتخصيص الحملات التسويقية وزيادة الوصول للعملاء وجذب العملاء الجدد.
الخاتمة والتوصيات
نشهد في هذا العصر تقدما سريعا جدا في تقنيات التطور والذكاء الاصطناعي كأحد الفروع الرئيسية بالثورة الصناعية الرابعة بكافة أنواعها على كافة مستويات حياتنا، والتطور الذي يمثل إغراءً شديداً لكافة المستخدمين في كافة المجالات لتجربة والاستفادة من تلك التقنيات، ولكن يجب أن نكون على علم ودراية بالمخاطر التي يمكن أن نواجها أثناء استخدامنا لتلك التقنيات.
كذلك يرى الباحث بالنسبة لباقي من يعملون في الحقل القانوني ، إنه يجب أن يكونوا على دراية بالمخاطر التي تواجهها الصناعة القانونية، والحاجة لوجود تشريعات حديثة وسريعة لتواكب هذا التطور السريع، وكذلك المخاطر العامة التي يمكن ان تطرح أمامنا في قضايا تستوجب الدفاع عنها والاحتفاظ برونق العنصر البشري كونه هو من أعزه الله واختاره ليكون خليفته في الأرض.
1 thought on “التوافق والتحديات: استكشاف الأرضية القانونية في الثورة الصناعية الرابعة”